نشرت تحت تصنيف كِتابْ قَرَأتُهُ

مسغبة،

رواية مسغبة للكاتب الأردني أيمن العتوم، قرأتها بتاريخ 20-2-2022 ةتقييمي لها 5/5 على موقع Goodreads.

(في يوم ذي مسغبة)، إنها مسغبةٌ بالفعل حلّت بمصر في أواخر القرن السادس الهجري، حقبة زمنية نجهلها ألقى عليها الضوء الكاتب أيمن العتوم بعد أن حصل على مخطوطة بخط يد البطل للقصة وهو عبداللطيف البغدادي، ويا لجمال قلم من وقعت بيده المخطوطة، ويا لسحر أسلوب من كتب التاريخ على هيئة رواية ليخلد بذلك تاريخاً مهماً عن زمن الكوارث والمجاعات التي أصابت مصر، لقد هالني ما قرأت وشاب شعر رأسي مما تخيلت، ولاحقتني الكوابيس في الليلة التي أنهيت فيها الرواية، في البداية مشيت الهوينا في القراءة فقد استغرقت المئتي صفحة الأولى أكثر من أسبوع ولا أدري هل السبب بطء الأحداث او إطالة السرد التاريخي في بداية حياة البطل، ولكن البارحة قرأت آخر مئة وخمسين صفحة بيوم واحد وعلى جلسة واحدة. يا إلهي ما هذا الجمال يا دكتور أيمن، وكم هي فظاعة الأحداث وبشاعتها، أهذا معقول أن يصل الحال بأن يأكل الانسان لحم أخيه الإنسان، وأن تأكل الأم ابنها الرضيع! إنه غير معقول ولكنه حقيقي.

عبد اللطيف البغدادي من مواليد بغداد عام ٥٥٧ للهجرة، نشأ وترعرع فيها ودرس علوم القرآن والحديث والنحو والطب، كان محباً للعلم والكتب، عندما صار شاباً قرر أن يرتحل إلى مصر لينهل من علومها ويصبح طبيباً هناك فيكون هو المنقذ لها في أيام الكوارث التي ستصيبها.
في عام ٥٩٧ للهجرة حدث الزلزال الكبير، ثم زلازل متلاحقة دمرت المنشئآت في مصر وهدمت البيوت على ساكنيها ومات ناس كثير، في عام ٥٩٩ للهجرة بدأ الطاعون ينتشر في البلاد. ولمدة ثلاث سنوات متتالية ظل الطاعون يقتل ويفتك بالنسل البشري الى أن جر أذياله وذهب بعد أن قضى على أكثر من نصف السكان، أما النصف الثاني فقد أصابهم الجوع وبدأوا يأكلون الحيوانات ، القطط والكلاب والخيول والحمير بعد أن قضوا على المواشي والجواميس ولم يبق شيء ليأكلوه، بسبب الطاعون تم غلق البلاد ووقف حركة السفن وتم حجر الناس بمنازلهم كما حدث بزمننا الحالي بسبب فيروس كورونا، ولكن من يقرأ الرواية سيشعر أن ما مررنا به في عصرنا الحالي ما هو إلا نزهة بالنسبة لمن عاش بزمن الطاعون الذي أصاب مصر كما روى البغدادي. ثم بعد ان لم يبق شيء يأكلونه في مصر بدأوا بأكل لحوم البشر. بداية لم أصدق هذه الأخبار غير أن البغدادي كان يحضر مجالس القضاء ويرى بأم عينيه الأم وهي تعلق ابنها الرضيع برقبتها بعد أن شوته لتأكل منه كلما جاعت، فيحكمون عليها بالصلب ثم الحرق، وغيرها الكثير من المشاهد التي وردت في الرواية والتي تستعصي على التصديق. بعد أن تعافت مصر كان قد قضى تسعة أعشار السكان حتفهم بسبب هذه الكوارث، ونجا من نجا وبدأت الحياة تعود لطبيعتها، وفي ذلك تصديق لقوله تعالى ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا ) الأية ١٣٣ سورة النساء .
عندها قرر البغدادي أن يعود للعراق وأن يكتب ما عاشه من أهوال في هذا المخطوط، ولكن أصابته الحمى وهو في الطريق ومات وهو على مشارف بغداد، ودفن بجانب قبر أبيه.

“روحي طائر مهاجر لا وطن لها غير الكتب، أبذل لها الكتب كما يُبذل للطائر الحب. أجلس في المكتبة فأعرفني ، وحدها المكتبة يمكن أن تكون هي الوطن.”

إن من البيان لسحر، وإن لقلم الدكتور أيمن العتوم لسحر مختلف، كان ترتيب قرائتي لهذه الرواية وهي آخر ما صدر له عند شرائي لها، وكنت قد قرأت قبل شهر أول رواية كتبها وهي “يا صاحبي السجن”، فتكون هذه الرواية هي الثانية التي أقرأها للعتوم، بترتيب متعمّد لألمس الفرق بين أول رواية وآخر رواية للكاتب بفارق زمني يقارب العشر سنوات. وكان الإنبهار سيد الموقف. اللغة الفصيحة الجزلة، والأسلوب المتمكن والوصف الدقيق للأماكن والاشخاص، لم تكن اللغة متكلفة ومنمقة بشكل مزعج، ولم تكن شاعرية كما في روايته الأولى، كانت متوازنة ومتماسكة وواضحة ومتينة. اعجبتني جداً وانسحرت بهذا الجمال.

المعلق:

مهندسة تقرأ وتكتب

أضف تعليق