نشرت تحت تصنيف عَوالِمْ الكُتُبْ

الطوارق وعيونهم،

الطوارق وعيون الطوارق

روايتين قرأتهما برفقة صديقات لي في موقع القراءة الرائع GoodReads  ، للكاتب الإسباني ألبرتو باثكيث فيكيروا، وناقشنا الجزء الثاني في قسم القراءات خارج النص في صالون الجمعة، وكان الموضوع بعنوان “عيون الطوارق“.

الرواية الأولى الطوارق، انبهرت بالصحراء التي اختلطت رماله بحروفها وكانت الدهشة تزداد مع كل صفحة تتلوها صفحة، والنَفَس يتسارع مع احداثها التي توّجت غزال صياح كأسطورة في عالم الصحراء .. أما الرواية الثانية عيون الطوارق، والتي تأرجح تقييمي لها بين ثلاث نجوم ونجمتان .. واستقر في النهاية على اثنتان بسبب حشو الكثير من الحوارات في بطن الرواية والتي لم تزيدها الا مللاً يعتري القارئ، بالإضافة الي ورود الكثير من الألفاظ النابية والمسبّات المزعجة والمقززة والتي جعلتني أمر بحالة قرف منها .. ولم تزيدني حكمة غزال صياح “الإبن” إلا مللاً أكبر .. كان يكفيه أن يفتخر ببطولة أبيه وحسب من أن يُلبِسُهُ الكاتب دور الحكيم المفتعل ..

بالمختصر: من أراد أن يتعرّف على الطوارق برواية فليقرأ رواية ألبرتو “الطوارق” فقط .. ومن أراد أن يقرأ عنهم بشكل عام فليقرأ المكتوب تالياً:

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

الطوارق:

يتسمى الطوارق «تماشق» أو «تمازغ» وهي نفسها عند غيرهم من البربر «أمازيغ» ومعناها «الرجال الأحرار». ويذكر الأستاذ محمد عبد الرحمان عبد اللطيف، وهو من طوارق النيجر، أن:

ـ طوارق “غدامس و”مرزق” وغات” و”تمنغست” يسمّون أنفسهم (ايموهاغ) وأصلها في نظره (ايموازاغ) جمع أمازيغ.
ـ وطوارق “كيدال” و”أوزاغ” الغربي منحى نهر النيجر يسمّون أنفسهم (ايموشاغ) وأصلها (ايموزاغ).
ـ وطوارق “آبير (أقدز)” و”أوزاغ” الأوسط و”أضر” و”أوزاغ” الشرقي يسمّون أنفسهم (أيماجغن) أو (ايموجاغ). (محمد سعيد القشاط: التوارق عرب الصحراء الكبرى).

الطوارق أو الرجال الزرق:

يشكل الطوارق المجموعة الأمازيغية الأكثر توغلا في أفريقيا جنوب الصحراء والأكثر انفصالا عن السكان العرب بالشمال الأفريقي، ومن المفارقة أنهم في أسلوب عيشهم ونمط حياتهم أقرب الناس إلى البدو العرب.

وقد درج المهتمون بالطوارق على كتابة اسمهم بالطاء وكان الأولى أن يكتب بالتاء، لأن اسمهم -حسب بعض الباحثين- مأخوذ من كلمة “تاركة” وهو واد في منطقة فزان بليبيا، والنسبة إليها “تاركي”، فالاسم مأخوذ من مكان بليبيا لا من اسم القائد المسلم طارق بن زياد.

ويطلق عليهم أيضا في الكتابات الأوروبية “الرجال الزرق” نظرا لكثرة استعمالهم القماش الأزرق لباسا. ويفضل الطوارق أن يطلق عليهم اسم “إيماجغن” أو تماشق” وهما مرادفان لأمازيغ ومعناها الرجال الأحرار.

العدد والفضاء الجغرافي:

في غياب إحصاءات دقيقة وموثقة لا يمكن إعطاء رقم صحيح عن عدد الطوارق في منطقة الساحل الأفريقي أو في دول شمال أفريقيا. وثمة تقديرات غير رسمية تذهب إلى أن عددهم الإجمالي يناهز 3.5 ملايين، نسبة 85% منهم في مالي والنيجر والبقية بين الجزائر وليبيا. وتذهب نفس التقديرات إلى أنهم يشكلون من 10% إلى 20% من إجمالي سكان كل من النيجر ومالي.

ويوجد الطوارق في مناطق صحراوية تمتد من الجنوب الليبي حتى شمال مالي، ففي ليبيا يوجدون بمنطقة فزان أما في الجزائر فيوجدون بمنطقة الهقار. وفي مالي يوجد الطوارق بإقليمي أزواد وآدغاغ، أما في النيجر فوجودهم أساسا بمنطقة أيِّير.

وتتميز هذه المناطق الأربع بأنها الأكثر جفافا والأقل سكانا من غيرها من مناطق الدول المذكورة. وقد ظل الطوارق إلى عهد قريب خبراء هذه الصحراء الكبرى العارفين بمسالكها المؤمنين لحركة القوافل بها، وقد أعانهم على ذلك صبرهم وشجاعتهم ومعرفتهم بأماكن الماء وإتقانهم الاهتداء بالنجوم.

ويتيمز الطوارق عن غيرهم من الأمازيغ بحفاظهم على لهجتهم الأمازيغية “تماشق” وعلى كتابتها بحرفهم الخاص “تيفيناغ” الذي يكتب من اليمين إلى الشمال ومن فوق إلى تحت والعكس.

المجتمع الطارقي:

ينقسم المجتمع الطارقي -شأنه في ذلك شأن المجتمعات البدوية التقليدية- انقساما وظيفيا، حيث تحدد مكانة الشخص حسب انتمائه إلى طبقات اجتماعية محددة. وفي أعلى الهرم الاجتماعي الطارقي نجد:

  • “إيماجغن”: وهم السادة، ويليهم
  • “إينسلمن”: وهم الطبقة المهتمة بالتعليم والتعلم والدين ثم
  • “إيمغاد”: الطبغة الغارمة
  • “إينادن”: طبقة الصناع التقليديون
  • “بلاس” أو “بزوس”: الأرقاء المحررون.
  • “إكلان”: طبقة العبيد

وتحظى المرأة الطارقية بمكانة خاصة، فمجتمعهم يعد –حسب الباحثين في علم الاجتماع- من المجتمعات الأمومية. وجميع الطوارق مسلمون متمسكون بالمذهب السني المالكي.

والطوارق عبارة عن كونفدراليات قبلية كبيرة يمكن توزيعها إلى مجموعات من أبرزها:

  • كل تماشق أي “المتكلمون بالأمازيغية” (وهم أساسا كل أهغار وكل أجر ويوجدون بالجزائر وليبيا).
  • كل أيِّير
  • كل غريس
  • أولمدن كل دنيك (النيجر)
  • أولمدن كل أتاريم (مالي)
  • كل تادمكت أو كل السوق (مالي)
  • كل آدغاغ (مالي)
  • كل أنتصر ويذهبون إلى أن نسبهم من الأنصار (مالي)

يغلب على الطارقي وضع لثام يبلغ طوله أحيانا أربعة أو خمسة أمتار. ويلازم اللثام الرجل الطارقي في الحل والترحال ويلفه بإحكام على جميع وجهه حتى لا يظهر سوى العينين. ولا يرفع الطارقي لثامه ولو عند تناول الطعام، وغالبا ما كان من القماش الأسود. وهناك فصيلة منهم تسمي نفسها “شعب اللثام” كما ورد في رواية الطوارق لألبرتو باثكث – فيكيروا.

 

وقد درج المؤرخون والرحالة العرب القدامى على تسمية الطوارق بالملثمين والسبب الأساسي في ذلك هو محافظتهم الشديدة على هذه العادة منذ فجر التاريخ. وتعود الأساطير في قصة اللثام لترجع سبب ذلك إلى أن أهقار وهو ابن ملكتهم تين هينان ـ والذي تعرف جبال الجنوب الجزائري اليوم باسمه ـ فر يومًا هاربًا بجيشه من أرض المعركة، وفي طريقه إلى العودة تنبه إلى أن ما قام به لا يليق بمقام قائد جيش وابن ملكة، فبقي مرابطًا بجيشه على مشارف الديار مدة شهر كامل لا يستطيع الدخول مخافة ملامة النسوة له. ولما طال بهم الحال ونفد ما معهم من زاد، وجدوا أنفسهم مجبرين على دخول الديار، فما كان على القائد سوى أن يغطي وجهه الذي يحمل ملامح العار وكذلك فعل بقية جنده وبقوا على تلك الحال طيلة حياتهم، وكذلك فعل من جاء بعدهم، حتى أصبح الأمر تقليدًا مفروضًا إلى يومنا هذا. وتسمية الطارقي بالرجل الأزرق هي في الحقيقة صفة أطلقتها عليه بقية القبائل، ومردها امتزاج لون بشرة الطرقي المائلة إلى السمرة بلون الصبغة الأزرق الداكن للثامه.

ويشارك الطوارقَ في وضع اللثام بعض المجموعات الصحراوية مثل قبائل صنهاجة الذين عرفوا بالملثمين. وتعددت تفاسير تمسكهم باللثام، فمنها الحياء الغالب على تلك الشعوب. وقد ذكر ذلك الشاعر الأندلسي أبو حامد المعروف بالكاتب حين مدح دولة المرابطين وكان أمراؤها صنهاجيين بقوله:

قوم لهم درك العلا من حمير
وإن انتموا صنهاجة فهم هم
لما حووا إحراز كل فضيلة
غلب الحياء عليهم فتلثموا

ولعل للعامل البيئي دورا حاسما في غلبة اللثام على هذه الشعوب الصحراوية، فالعواصف الرملية والحرارة المرتفعة في الصيف والبرد القارس في الشتاء تتطلب غطاء يقي رأس الإنسان الصحراوي.

الطوارق  اليوم:

قاوم الطوارق بشراسة الاحتلال الفرنسي لعدة دول أفريقية منذ نهاية القرن 19 وعرقلوا تقدم القوات الفرنسية في دول أفريقيا السوداء وقتل الفرنسيون رئيسهم الأمنوكال فهرون في 1916.

ومنذ استقلال الدول الأفريقية من الاحتلال الفرنسي غلب التوتر على علاقة الطوارق بحكومات الدول التي يتواجدون فيها، غير أن أول تحرك سياسي فعلي للطوارق يعود إلى 1963 حيث أعلنوا عن مطالبهم السياسية في مالي وطالبوا بحق امتلاك الأراضي والحفاظ على خصوصياتهم الثقافية واللغوية غير أن حكومة الرئيس موبودو كايتا قمعت هذه الحركة وزجت برموزها في السجون. ومع استقلال الدول الأفريقية والعربية من الاحتلال الفرنسي وجد الطوارق أنفسهم في وضعية حرجة خاصة أن صفوفهم لا تضم العدد الكبير من الحاصلين على شهادات عليا تمكنهم من المطالبة بمناصب سياسية وإدارية في الدول التي يتواجدون فيها، وزاد من عزلتهم وجودهم في مناطق صحراوية، قليلة الكثافة السكانية وبعيدة عن العواصم التي تعتبر مركز القرارات. وهو ما جعلهم من المنسيين في هذه الدول لذلك طالبوا برفع التهميش والمظالم.

ومع بداية تسعينيات القرن الماضي نشطت حركات مسلحة طارقية في مالي والنيجر، وقامت الجزائر بوساطة بين مالي والمسلحين فقد تم توقيع اتفاق سلام بتمنراست في يناير/ كانون الثاني 1991، وهو اتفاق لم يحترمه الطرفان المتنازعان في الغالب. وقد تزايد العنف بين الجيش المالي وحركة التمرد مما دفع الآلاف من الأسر للجوء إلى موريتانيا والجزائر وبوركينا فاسو.

وقد عرف طوارق النيجر هجرة واسعة إلى ليبيا في عهد الرئيس السابق سيني كونتشي، وبعد موته سنة 1987 حاول خلفه الرئيس علي سيبو أن يتصالح مع المعارضة الطارقية في ليبيا، غير أن مواجهات دامية بين الطوارق والجيش النيجري اشتعلت بعد القمع الساحق الذي تعرض له الثوار على أيدي الدرك النيجري.

ورغم رعاية الجزائر وبوركينا فاسو لعدة اتفاقيات سلام بين المسلحين وكل من مالي والنيجر، لم يصل الوضع بعد إلى حد السلام والوئام، فلا الطوارق حصلوا على حكم ذاتي فضلا عن الانفصال، ولا مالي والنيجر استطاعتا السيطرة على مناطق الطوارق الواسعة الأرجاء الصعبة المسالك.

.

المصادر:

  1. الجزيرة.نت، مقال بعنوان: “الطوارق أو الرجال الزرق”.
  2. وكالة مونت كارلو الدولية، مقال بعنوان: “الطوارق والبحث عن هويتهم المغيّبة”.
  3. موقع الحوار المتمدن، مقال بعنوان: “تاريخ الأمازيغ المنسي: تينهينان الفيلالية: ملكة الطوارق، ناصبة الخيام، صاحبة الناقة البيضاء”.

المعلق:

مهندسة تقرأ وتكتب

أضف تعليق